الأبناء المبدعون هم صُنــَّاع التاريخ

|


   مع ما وصل إليه العالم اليوم من تقدم وتطور في شتى المجالات بفضل جهود الغرب الحثيثة في هذا الشأن إلا أنه لا يمكن تجاهل جهود العلماء العرب في قرون مضت وفضلهم أيضاً على الحضارة الغربية ، أجمعت العديد من المصادر التاريخية على هذه الحقيقة أن علماء العرب هم نواة هذه العلوم والأساس التي تأسست عليها، وهؤلاء العلماء سطروا أسماءهم في تاريخ العلوم فلم يخلُ كتاب غربي يحفظ للعرب فضلهم ولا يجحده إلا وذكر أسماء خالدة ليس آخرها ابن الهيثم وجابر بن حيان والخوارزمي وغيرهم كثير، المستشرقة الألمانية "زيغريد هونكه" تقول : (إن الناس عندنا لا يعرفون إلا القليل عن جهودكم الحضارية الخالدة ودورها في نمو حضارة الغرب ، أردت هنا أن أقدم الشكر للعرب على فضلهم ، الذي حرمهم من سماعه طويلا تعصب ديني أعمى أو جهل أحمق) (١) .
إلا أن المتابع لما صارت إليه أمتنا اليوم من حال، يجد أنها تحولت من أمة راعية للعلوم إلى مجرد أمة
تستهلك فُـتات ما يقدمه الغرب من علومهم ، هو حال يثير الحزن بلا شك ، أن تتحول من قمم المجد إلى حضيض الاستهلاك والاسترزاق على موائد الغرب ، وليس يجدي النحيب ولا البكاء على الأطلال هنا بل يجب أن تتشكل هنالك حركة جادة تفسر سبب هذا الجمود على الساحة العلمية العربية وتراجعها بعد أن كانت في مقدمة الأمم ، الأسباب كثيرة و لا يحتمل مقال واحد ذكرها جميعا ولكن لا غنى عن ذكر أهمها وأبرزها وهو تنشئة الأبناء والبيئة المحيطة كيف أن ذلك يؤثر بشكل كبير على مستوى إبداعهم وعطاءهم حين يكبرون ، مجتمعاتنا التقليدية مع ما فيها من حسنات إلا أنها للأسف بها بعض العادات التي تؤثر سلبا على الجيل الصاعد ومقدرته على صنع الإبداع، لا يمكن فهم أن يُـراد لهذا الطفل أن يكون مبدعاً وهو يتعرض يومياً لأبشع الإهانات وأقذع العبارات كل ذلك باسم التربية والرجولة ، أن تهزم ابنك من الداخل، أن تميت همته وتكسر شخصيته لا يمكن أن ترتجي منه إبداعاً بعد ذلك ، أنت لا تجعله إلا مجرد بائسٍ مسكين ليس أمامه سوى أن يستجيب لأفكارك طوعاً أو قسراً ، لا يملك حرية الـ(نعم) حين يعتقدها ولا الـ(لا) حين يجدها ، ينشأ مقموعاً مهزوماً ويُـنشئ أبناءه بعد ذلك على ذات الأسلوب وذات الطريقة إلا ما رحم ربي ، هو ذا لا يصنع الإبداع الذي أساسه الثقة بالنفس ولا يبني أمة ، لا يمكن تخيُّــل أن "أديسون" مثلا يكرر محاولاته في إضاءة المصباح مئات المرات وفي كل مرة لا يجد سوى الفشل الذريع في محاولته تلك ورغم ذلك لم ييأس ولم يتراجع حتى أضاءها وغيَّـر وجه العالم ، لا يمكن تخيـُّـل كل ذلك لولا أن "أديسون" يملك ثقة عالية بنفسه وبقدراته جعلته ذا همة عالية يصرُّ في كل مرة أن ينجح حتى حالفه النجاح فعلاً في نهاية الأمر ، الطريق نحو الإبداع والطريق نحو تقدم هذه الأمة وتطورها لتعود من جديد منافِسة للغرب من الناحية العلمية يبدأ من البيت الواحد والأسرة الواحدة ، أن نبني الشخصية في أبناءنا ونزرع الثقة في نفوسهم وأن نتخلص من بعض العادات البالية في مجتمعاتنا التقليدية وأن نحيطهم ببيئة ملائمة تعينهم على الإنجاز في مستقبلهم وأن نتعهدهم بالتعليم ونبث فيهم روح الحماس من أجل بلوغ الأهداف السامية، هي مسئوليتنا جميعاً وأن نبدأ بها منذ اليوم، وإلا فسنظل نكثُّ على رؤوسنا التراب وننتحب متذكرين ماضينا الجميل والمجد الذي ضاع من أيدينا وعلماؤنا الأوائل الذين لو قـُـدِّر لهم أن يعيشوا بيننا اليوم لتبرَّأوا منا فلسنا امتداداً لهم ولا نستحق حضارة بنوها من أجلنا.
———————
(١) كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" - المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه ، ص ٩ .

0 تعليقات:

 

تعريب وتطوير ابن حجر الغامدي ©2009 مُدونة ضِفافْ | Template Blue by TNB